الجمعة، 14 فبراير 2014

فأما عيون العاشقين فأسخنت و أما عيون الكاشحين ففرت فقالت حنان ما أتى بك ها هنا أذو نسب أم انت بالحي عارف


قال عمر بن الخطّاب‏، رضي الله عنه:‏ "الشعر جَزل من كلام العرب يُسكَّن به الغَيظ وتُطفأ به الثائرة ويتبلَّغ به القومُ في ناديهم وُيعطى به السائل‏ علموا اولادكم الرماية و السباحة و ركوب الخيل و رووهم من الشعر أعذبه ".‏ وقال ابنِ عبّاس‏، رضي الله عنه:‏ "الشعر عِلْم العرب وديوانها فتعلَّموه وعليكم بشعر الحِجاز‏"، وربما كان تخصيصه لشعر الحجاز نظرا لفصاحتهم.‏ وقال معاويةُ ابن ابي سفيان، رضي الله عنه، لعبد الرحمن بن الحكم‏:‏ "يا ابن أخي إنك شُهرت بالشعر فإياك والتشبيبَ بالنّساء فإنك تغرّ الشريفة في قومها والعفيفة في نفسها والهجاء فإنك لا تَعْدو أن تُعادي كريماً أَو تَستثير به لئيماً‏.‏ ولكن افخر بمآثر قَومك وقُل من الأمثال ما تُوَقّر به نفسك وتؤدِّب به غيرك‏".‏
وعلى مر الأزمنة الماضية، كان للعرب نظرة في الشعر، تصنيفه والمفاضلة بينه. وكل له معياره ودواعيه في المفاضلة. وفي باب الفخر، قيل أن أفخر بيت شعر قاتله العرب ما يلي:
قال بعضهم أن أفخر بيت قالته العرب قول جرير:

إذا غضبت عليك بنو تميم=حسبت الناس كلهم غضابا
وقال بعضهم بل قول جرير:

أحلامنا تزن الجبال رزانة =ويفوق جاهلنا فعال الجهّل
وقيل أن البيت للفرزدق، وأن صحته:

أحلامنا تزن الجبال رزانة =وتخالنا جنا إذا ما نجهل

وقال آخرون أن أفخر بيت قالته العرب قول عمرو بن كلثوم:
بأنا نورد الرايات بيضا =ونصدرهن حمرا قد روينا
ونشرب إن وردنا الماء صفوا=ويشرب غيرنا كدرا وطينا

وقال بعضهم أن الأفخر قول أبي الطيب المتنبي:


أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي=وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها =ويسهر الخلق جراها ويختصم
وجاهل مده في جهله ضحكي = حتى أتته يد فراسة وفم
إذا نظرت نيوب الليث بارزة = فلا تظنّنّ أن الليث يبتسم
سيذكر الجمع ممن ضم مجلسنا = بأنني خير من تسعى به قدم
فالخيل والليل والبيداء تعرفني =والسيف والرمح والقرطاس والقلم
كم تطلبون لنا عيبا فيعجزكم = ويكره الله ماتأتون والكرم
ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي = أنا الثريا وذان الشيب والهرم

وقيل أن أفخر بيت قول الأخوص:

ما من مصيبة أو نكبة أرمى بها=إلا تشرفني وترفع شأني
وإذا سألت عن الكرام وجدتني=كالشمس لا تخفى بكل مكانِ
وقيل أن أفخر بيت قالته العرب، قول عمرو بن كلثوم:

اذا بلغ الفطام لنا رضيعُ =تخر له الجبابر ساجدينا
وقال بعضهم أن أفخر بيت قول الفرزدق:


ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا=وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا

وقيل بل الأفخر قول جرير:


ألستم خير من ركب المطايا= وأندى العالمين بطون راح


وقيل أن افخر بيت كان للأمير ابي فراس الحمداني حين قال :



نحنُ قومٌ لا توسُّـط بيننا=لنا الصدرُ دُون العالمينَ أو القبرُ

وقيل أن من أفخر ما قالته العرب قول العلامة الحسن بن أحمد الضمدي:


أسود قتال من مغيـد وعلكـمُ=يسايرهم نحو العدا الذئب والنسر
يهابهم حتى الجمـاد ولـو هـمُ=مع الليل أعوان لما طلع الفجـر


 وتناسوا قول الشاعر في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم :
خلقت مبرأ من كل عيب *** كأنك قد خلقت كما تشاء

وتراءى لهم أنه لامجال لمجاملة المتنبي - مثلا - والقول بأنه مدح سيف الدولة بشيء يستحق الذكر ، فهل يقارِن مثلُ هذا المنهج القائم على الحكم المطلق العملاقَ جريرا بهذا القزم عندما هذى في إحدى حمّياته :
فإن تفق الأنام وأنت منهم *** فإن المسك بعض دم الغزال
أو قوله :
وقفت ومافي الموت شك لواقف *** كأنك في جفن الردى وهو نائم

ولم يكن لديهم أغزل من جرير عندما قال :
إن العيون التي في طرفها حور *** قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

ضاربين الصفح عن قول عنترة العبسي :
وعشقت تقبيل السيوف لأنها *** لمعت كبارق ثغرك المتبسم

وقول ابن زيدون :
أضحى التنائي بديلا عن تدانينا *** وناب عن طيب لقيانا تجافينا



وكأن لم يؤرخ الأدب لعمرو بن كلثوم قوله :
بأنا نورد الرايات بيضا *** ونصدرهن حمرا قد روينا
ونشرب إن وردنا الماء صفوا *** ويشرب غيرنا كدرا وطينا



واستكمالا لحلقات المسلسلة لقّنت الأجيال بأن جريرا قال أهجى بيت قالته العرب :
فغض الطرف إنك من نمير *** فلا كعبا بلغت ولا كلابا

وماذا يكون هذا البيت عند كاريكاتير ابن الرومي :
يقتّر عيسى على نفسه *** فليس بباقٍ ولا خالد
ولو يستطيع لتقتيره *** تنفس من منخر واحد

أو كاريكاتير المتنبي في هجاء كافور :
أُريك الرضا لو أخفت النفس خافيا *** وما أنا عن نفسي ولا عنك راضيا
أميْناً وإخلافاً وغدراً وخسةً *** وجبناً أشخصاً لٌحت لي أم مخازيا
تظن ابتساماتي رجاءً وغبطةً *** وما أنا إلا ضاحك من رجائيا
وتعجبني رجلاك في النعل أنني *** رأيتك ذانعلٍ إذا كنت حافيا
وأنك لاتدري ألونك أسود *** من الجهل أم قد صار أبيض صافيا
ويذكرني تخييط كعبك شقه *** ومشيك في ثوبٍ من الزيت عاريا
ولولا فضول الناس جئتك مادحا *** بما كنت في سرّي به لك هاجيا
فإن كنت لاخيراً أفدت فإنني *** أفدت بلحظي مشفريك الملاهيا
ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة *** ليُضحك ربات الحداد البواكيا


وكي يتربع جرير على القمة فقد درسنا يوما أنه قال أرثى بيت قالته العرب :
لولا الحياء لهاجني استعبار *** ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولم يتساءلوا :
- وما المانع من الاستعبار فالرسول صلى الله عليه وسلم بكى ودمعت عيناه ، وما المانع من زيارة القبر وجرير رجل ، مم الخجل ؟!

ولم يروا أن نكرة من العرب قال يرثي امرأة في قصيدة يكفي تفوق أحد أبياتها على بيت جرير للتدليل على عقم المعياروالانطباع :
رماني الدهر بالأرزاء حتى *** فؤادي في غشاءٍ من نبال
فصرت إذا أصابتني سهام *** تكسرت النصال على النصال
وهان فما أبالي بالرزايا *** لأني ماانتفعت بأن أبالي
وهذا أول الناعين طُرّاً *** لأول ميتةٍ في ذا الجلال
كأن الموت لم يفجع بنفسٍ *** ولم يخطر لمخلوقٍ ببال
صلاة الله خالقنا حنوط *** على الوجه المكفّن بالجمال
على المدفون قبل الترب صونا *** وقبل اللحد في كرم الخلال
أطاب النفس أنك مت موتا *** تمنته البواقي والخوالي
أسائل عنك بعدك كل مجدٍ *** وما عهدي بمجدٍ عنك خالي
يمر بقبرك العافي فيبكي *** ويشغله البكاء عن السؤال
وما أهداك للجدوى عليه *** لو أنك تقدرين على فعال
بعيشك هل سلوتِ ؟ فإن قلبي *** وإن جانبت أرضك غير سالي
ولو كان النساء كمن فقدنا *** لفضّلت النساء على الرجال
مشى الأمراء حوليها حفاة *** كأن المرو(1) من زفّ الرئال (2)
وأفجع من فقدنا من وجدنا *** قبيل الفقد مفقود المثال
يدفن بعضنا بعضا وتمشي *** أواخرنا على هام الأوالي

( 1 ) المرو : حجارة بيضاء براقة وغليظة .
(2) زف الرئال : ريش صغار النعام .

ليست هناك تعليقات: