الأحد، 27 ديسمبر 2020

توفى ابي

 

توفي أمس الإثنين7 يناير 2017، أول ممرض في الإمارات منذ 1954، وأول مساعد طبيب يزاول هذه المهنة منذ عام 1959، المواطن سليمان بن أحمد الحوقاني، حيث تم تشييعه من مسجد حمودة بن علي وسط حضور كبير.

يذكر أن الحوقاني ولد عام 1938 في مدينة العين، وسافر إلى كينيا لطلب العلم وحصل على شهادة مساعد طبيب ومركب أدوية عام 1954.

مزاولة المهنة
‏وانتقل الحوقاني بعد ذلك للعمل في المملكة العربية السعودية ودولة قطر، وفي العام 1959 عاد إلى مدينة العين ليكون بذلك أول مساعد طبيب يزاول المهنة هناك، حيث كان الوضع الصحي صعباً للغاية، وكانت المنطقة تتلقى جزءاً من العلاج من معسكرات الجيش البريطاني في حينه.

بدأ سليمان الحوقاني بتقديم العلاج للسكان، خاصة الأطفال منهم الذين كانوا يتعرضون لأمراض خطرة قد تودي بحياتهم في حال عدم توفر العلاج مثل (أمراض الإسهال والحصبة الألمانية)، كما قدم التطعيم لأول مرة هناك خاصة لأمراض مثل الجدري وشلل الأطفال، حيث كانت المحاليل تركب من بعض المواد المتاحة في حينه من المعسكرات، وكان الوضع الحياتي صعباً للغاية، فلم يكن هناك وسائل مواصلات للتنقل غير "الركاب".

‏ تخفيف حالات الوفاة
‏وساهم الحوقاني بتخفيف عدد حالات الوفاة للأمهات الناتجة عن حالات الولادة التي بلغت 1/3 ذاك الحين، ‏وذلك نتيجة عدم وجود الرعاية الطبية الكاملة، كما قلت نسبة الوفيات من الأطفال المصابين بالتهاب الصدر والمصابين بالحصبة الألمانية و ضيق التنفس "الربو"‏.

مستشفى الواحة
‏وفي مطلع العام 1961 أفتتح أحد الأطباء الكنديين مستشفى الواحة والذي بدأ يقدم الخدمات الطبية للمواطنين في المنطقة، وعين سليمان الحوقاني مساعد طبيب، فكان يسهم مع طاقم المستشفى الصغير بالمساعدة في إجراء العمليات الجراحية، وكافة أنواع العمليات، والمساعدة بقسم الولادة.

‏وافتتح الحوقاني في العام 1964 عياد‏ة خاصة إضافة لعمله الرسمي، فكانت مقصداً للجميع، قدم من خلالها العلاج للآلاف من سكان المنطقة، واستمر في عطاءه حتى وفاته، إذ كان هناك بعض الكبار في السن لا زالوا يتلقون العلاج على يديه من مختلف أنحاء الإمارات. 

سليمان بن احمد الحوقاني

 «سليمان الحوقاني» لم يمر على العين هكذا، كما يفعل العجلون المستدركون، لذا ستذكره كثيراً، مثل ما بكته كثيراً، كان يعرف كل بيت فيها، كما كان كل بيت يعرفه، كنت صغيراً أشاهده بالملابس الطبية البيضاء يتجول في مستشفى «كند»، أو خلف شباك صغير يصرف أدوية من صيدلية بحجم «القطيعة» في منازلنا القديمة، الأهالي سيطلقون عليه منذ أول يوم ارتدى فيه الملابس البيضاء الخاصة بالمستشفى لقب دكتور سليمان، وحينما استقل وافتتح أول صيدلية وعيادة، سيردد الواحد منهم: «رائح عيادة سليمان، أضرب إبرة، وراجع من صيدلية سليمان، مأخذ دواء»، كان يتجول أحياناً بحقيبة جلدية زائراً مريضاً أو معالجاً سقيماً، كان يعطي الحقن، ويركّب الأدوية، ويساعد الأطباء، بعد تخرجه في كينيا، حيث ذهب للدراسة، وهاجر للسعودية وقطر، لكنه عاد مع أول مستشفى يفتتح في العين، كان يتحدث بطلاقة الإنجليزية والسواحلية، وغيرهما. وحين كبرت العين فجأة.. كبر الناس معها، وحين تغير المجتمع، تغير الناس معه، وحين فتحت علينا الدنيا، تبدل كل شيء، وزاول «سليمان الحوقاني» أعمالاً تجارية أخرى، لكنه لم ينس حلمه القديم بأن يتخرج أحد أبنائه طبيباً، تلك المهنة التي طالما عشقها ومارسها، وكان يحن لها، لم يترك سليمان الدنيا إلا وتلك المهنة تنتقل من الأب إلى الأبناء، فيما ظلت عيادة وصيدلية سليمان شاهدتين على الوقت والنَّاس، وتبدل الأحوال. لقد مرّ زمن التحول والتغيير سريعاً حتى كدنا نعد الثلاثين عاماً عقداً من السنين، وحينما التفتنا قليلاً إلى الوراء، وجدنا أن «مستشفى كند»، وسليمان وعيادته، والوطر الجميل للأهل الأولين الطيبين، يفصلنا عنها أربعون عاماً ويزيد، يومها كنت أترأس تحرير مجلة «الظفرة» التي كانت غايتها: «الذهاب بعيداً في الوطن.. وعميقاً في الناس»، لقد فتشت عن «سليمان الحوقاني» الذي كان يعرف بيوت العين كلها، وكان الناس يعرفونه، أين هو الآن، وخشيت أن أسمع خبراً ينعى لنا «سليمان الحوقاني»، ونحن كنّا في غفلة، ولا ندري، هذا التوجس يرهبني كلما سعت بي قدمي لبيت قديم أو شخص من ذاك الزمن الجميل، لكن سليمان حينها كان حيّاً يرزق، لكنه توارى خلف الزمن والأعمال الجديدة، يومها فتح صدره للذكريات، وقال الكثير.. الكثير حتى دمعت عيناه، وأثقل على قلبه حديث الأولين، وتذكر وقع خطواته بحقيبته الجلدية وهو يذرع طرقات العين وبيوتها، ناقلاً الفرحة والبشارة والبسمة الغائبة لبيوت كانت تتألم من الوجع، راجية الشفاء على يد سليمان، فيدخل عليها تسبقه ابتسامته.