الأحد، 27 ديسمبر 2020

سليمان بن احمد الحوقاني

 «سليمان الحوقاني» لم يمر على العين هكذا، كما يفعل العجلون المستدركون، لذا ستذكره كثيراً، مثل ما بكته كثيراً، كان يعرف كل بيت فيها، كما كان كل بيت يعرفه، كنت صغيراً أشاهده بالملابس الطبية البيضاء يتجول في مستشفى «كند»، أو خلف شباك صغير يصرف أدوية من صيدلية بحجم «القطيعة» في منازلنا القديمة، الأهالي سيطلقون عليه منذ أول يوم ارتدى فيه الملابس البيضاء الخاصة بالمستشفى لقب دكتور سليمان، وحينما استقل وافتتح أول صيدلية وعيادة، سيردد الواحد منهم: «رائح عيادة سليمان، أضرب إبرة، وراجع من صيدلية سليمان، مأخذ دواء»، كان يتجول أحياناً بحقيبة جلدية زائراً مريضاً أو معالجاً سقيماً، كان يعطي الحقن، ويركّب الأدوية، ويساعد الأطباء، بعد تخرجه في كينيا، حيث ذهب للدراسة، وهاجر للسعودية وقطر، لكنه عاد مع أول مستشفى يفتتح في العين، كان يتحدث بطلاقة الإنجليزية والسواحلية، وغيرهما. وحين كبرت العين فجأة.. كبر الناس معها، وحين تغير المجتمع، تغير الناس معه، وحين فتحت علينا الدنيا، تبدل كل شيء، وزاول «سليمان الحوقاني» أعمالاً تجارية أخرى، لكنه لم ينس حلمه القديم بأن يتخرج أحد أبنائه طبيباً، تلك المهنة التي طالما عشقها ومارسها، وكان يحن لها، لم يترك سليمان الدنيا إلا وتلك المهنة تنتقل من الأب إلى الأبناء، فيما ظلت عيادة وصيدلية سليمان شاهدتين على الوقت والنَّاس، وتبدل الأحوال. لقد مرّ زمن التحول والتغيير سريعاً حتى كدنا نعد الثلاثين عاماً عقداً من السنين، وحينما التفتنا قليلاً إلى الوراء، وجدنا أن «مستشفى كند»، وسليمان وعيادته، والوطر الجميل للأهل الأولين الطيبين، يفصلنا عنها أربعون عاماً ويزيد، يومها كنت أترأس تحرير مجلة «الظفرة» التي كانت غايتها: «الذهاب بعيداً في الوطن.. وعميقاً في الناس»، لقد فتشت عن «سليمان الحوقاني» الذي كان يعرف بيوت العين كلها، وكان الناس يعرفونه، أين هو الآن، وخشيت أن أسمع خبراً ينعى لنا «سليمان الحوقاني»، ونحن كنّا في غفلة، ولا ندري، هذا التوجس يرهبني كلما سعت بي قدمي لبيت قديم أو شخص من ذاك الزمن الجميل، لكن سليمان حينها كان حيّاً يرزق، لكنه توارى خلف الزمن والأعمال الجديدة، يومها فتح صدره للذكريات، وقال الكثير.. الكثير حتى دمعت عيناه، وأثقل على قلبه حديث الأولين، وتذكر وقع خطواته بحقيبته الجلدية وهو يذرع طرقات العين وبيوتها، ناقلاً الفرحة والبشارة والبسمة الغائبة لبيوت كانت تتألم من الوجع، راجية الشفاء على يد سليمان، فيدخل عليها تسبقه ابتسامته.

ليست هناك تعليقات: